قال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [البقرة: 143].
قال ابن جرير رحمه الله تعالى عند قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ: (إن الله: بجميع عباده ذو رأفه، والرأفة أعلى معاني الرحمة، وهي عامة لجميع الخلق في الدنيا ولبعضهم في الآخرة) (1) .
وقال الخطابي: (-الرؤوف- هو الرحيم العاطف برأفته على عباده، وقال بعضهم: الرأفة أبلغ الرحمة وأرقها، ويقال: إن الرأفة أخص والرحمة أعم، وقد تكون الرحمة في الكراهة للمصلحة، ولا تكاد الرأفة تكون في الكراهة فهذا موضع الفرق بينهما) (2) .
ويؤكد هذا الفرق القرطبي بقوله: (إن الرأفة نعمة ملذة من جميع الوجوه، والرحمة قد تكون مؤلمة في الحال ويكون عقباها لذة، ولذا قال سبحانه: وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ [النور: 2]، ولم يقل: رحمة، فإن ضرب العصاة على عصيانهم رحمة لهم لا رأفة؛ فإن صفة الرأفة إذا انسدلت على مخلوق لم يلحقه مكروه.
فلذلك تقول لمن أصابه بلاء في الدنيا، وفي ضمنه خير في الأخرى: إن الله قد رحمه بهذا البلاء، وتقول لمن أصابه عافية في الدنيا، في ضمنها خير في الأخرى واتصلت له العافية أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً: إن الله قد رأف به) (3) .
قال الأقليشي: (فتأمل هذه التفرقة بين الرأفة والرحمة، ولذلك جاءا معا، فقال: إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ وعلى هذا الرأفة أعم من الرحمة، فمتى أراد الله بعبد رحمة أنعم عليه بها، إلا أنها قد تكون عقيب بلاء، وقد لا تكون والرأفة بخلاف ذلك) (4)
نقلاً عن كتاب ((النهج الأسمى في شرح أسمائه الحسنى)) محمد حمود النجدي (2/216).
.